الأساليب الحجاجية في الفلسفة

الأساليب الحجاجية في الفلسفة


محتوى المقالة:

  1. تعريف الحجاج
  2. أنواع الحجاج 
  3. كيف يمكن تعليم الحجاج بوصفه احد أشكال التفكير الفلسفي؟
  4. بعض الأساليب الحجاجية الأساسية في الخطاب الفلسفي
  5. الوظيفة الديداكتية للحجاج في درس الفلسفة(آلياته)
  6. الحجاج والتمارين في درس الفلسفة
  7. أهداف التمارين الحجاجية
  8. تمارين 

الأساليب الحجاجية في الفلسفة 


مقدمة:

إن المغزى العميق لمقولة كانط الشهيرة: لا يمكننا تعلم الفلسفة، بل يمكننا فقط تعلم التفلسف” هو أن درس الفلسفة بما هو مجال للحرية العقلية المتمثلة في التأمل النقدي، يقوم على التفلسف كعملية عقلية، نقدية، تساؤليه مستمرة. الغرض منها إزالة البداهة عن الأفكار المألوفة والأحكام المسبقة، والتخلص من هيمنة الحقائق المطلقة بإعادة النظر فيها وجعلها تتسم بالنسبية والقابلية للتجاوز..

وهنا يبرز مفهوم التفكير الذاتي كتجسيد للحرية العقلية وللتأمل النقدي فهو يسمح للفرد بالتساؤل عن معنى وقيمة وجوده والمشاكل التي تطرحها حياته الشخصية والتزاماته الفردية والجماعية.

وبهذا المعنى يجد المتعلم نفسه –في إطار التعلم الذاتي-أمام وضعيات- مشكلة تتطلب منه إيجاد حلول لها اعتمادا على معارفه وإمكاناته وقدراته الفكرية وتجعله متورطا في البحث عن مخرج صنعه هو ولم يصنع له. مواجها لكل العوائق المتمثلة في المكتسبات المألوفة والأحكام المسبقة، موسعا لهامش مبادرته وفاعليته، وهذا ما يجعله تعلمه يتسم بالإيجابي.و يرى ميشيل طوزي أن تعلم التفلسف يقتضي ثلاث سيرورات: البناء ألمفاهيمي،الاستشكال،الحجاج . 

إن مرحلة الاستشكال لحظة أساسية تتمفصل عندها لحظتا المفهمة والحجاج. فهو مناسبة لطرح تساؤلات تسمح لنا بالوقوف على مختلف التقابلات والمفارقات التي تثيرها المفهمة، وموجه للبحث عن أطروحات ومواقف فلسفية تجعلنا ندخل في لحظة الحجاج. 

أولاً:تعريف الحجاج: 


لغويا الحجاج هو مجموعة من الحجج التي يؤتى بها للبرهان على رأي أو إبطاله. وبتوسيع مفهوم المحاجّة فإنها تعني كل وسائل الإقناع باستثناء العنف والضغط والإكراه .

أما من الناحية الفلسفية، فمفهوم الحجاج يسعى إلى الوصف والإظهار والكشف عن المنطق الداخلي للخطاب لمعرفة مدى تماسك وانسجام عناصره، ومدى صحة حججه وأدلته؛ وتعتبر الحجة مصطلح إشكالي يتجلى غالبا في شكل قضية خارجية للقضية التي نريد تبريرها.

إن الاستشهاد بحدث يصلح كحجة في الحالة التي يبدو مؤيداً ومؤكداً لأطروحة نريد تعليلها. لكن هذا التأكيد ليس في البداية إلا علاقة خارجية لابد من البرهنة عليها. ويقترح لالاند أن نسمي دليلا الحجة المعترف بكونها صالحة ويقينية.

فالحجاج إذاً هو إتباع تسلسل للقضايا بغية الإقناع، انطلاقا من مقدمات معينة للوصول إلى نتائج محددة.

ثانياً: أنواع الحجاج:


إن الفلاسفة في تناولهم للمشاكل الفلسفية يعتمدون على أشكال مختلفة من الحجاج من أجل دفع أكبر عدد ممكن من المتلقين على قبول خطاباتهم، أو بغية دحض أطروحة الخصوم. ومن بين الأساليب الحجاجية الفلسفية نذكر الأساليب الاستدلالية الجدلية: كالاستنباط، المقارنة، التفسير، البرهان بالخلف، المماثلة، التهكم، الحجاج بالسلطة… إضافة إلى الأساليب البلاغية كالأسئلة الاستنكارية والمجاز والتشبيه والاستعانة بالدلالة الاشتقاقية للكلمات. 

وفيما يلي شرح لبعض أنواع الحجاج التي يمكن العثور عليها في النصوص الفلسفية


1- الاستنتاج أو الاستنباط: وتسمّى أيضاً حجة البرهان الرياضي وهي الحجة التي يتم فيها الانتقال من البسيط إلى المركب أي فكرة بديهية عامة لأخرى متضمنة فيها أو تستتبعها وتنتج عنها بمقتضى ضرورة منطقية داخلية وتعتمد البناء الرياضي ويمكن معرفتها من خلال الأساليب الشرطية مثلا: لدينا… بما أن … فإن…. إذن…./ إذا كان ….فإن… وبالتالي فإن.

2- الاستقراء: تدرج من الخاص إلى العام بالانطلاق من تعداد أمثلة واقعية والتركيز فيها على ما هو ثابت و مشترك قصد تعميمه.

3- المماثلة: إبراز أوجه تماثل أو تشابه بين أربعة إطراف لوجود تناسب بين كل اثنين أو وجه شبه.

4- المجاز و الأمثولة: هو مماثلة بين ما هو واقعي وما هو متخيّل لتقريب المعنى المجرّد في تشبيه حسي.

5- الدحض: بيان لا معقولية أطروحة بإبراز تناقضها مع المنطق من جهة أو مع الواقع من جهة ثانية.

6- حجة البرهان بالخلف: تقتضي وجود فكرتين متعارضتين الثانية تعمل على نفي ودحض وتفنيد أطروحة الخصم الأولى وذلك بإظهار ضعفها أو عدم صلاحيتها.

7- حجة البرهان المنطقي: بمعنى الانتقال من مقدمات وقضايا للوصول إلى نتائج.

8-حجاج بلاغية:توظيف التشبيه،المجاز،الاستعارة.

ثالثاً: كيف يمكن تعليم الحجاج بوصفه أحد أشكال التفكير الفلسفي ؟

يمكن التدرب على الحجاج من خلال مجموعة تمارين. ويجب أتباع الخطوات التالية:


الخطوة الأولى هي خطوة إعداد التمرين من قبل المعلم عن طريق اختيار نصّ فلسفي ثم تفكيك العناصر المكوّنة للكتابة الإنشائية الفلسفية إلى لحظاتها الأولى ثم تفكيك كل واحد من تلك العناصر إلى أجزائه المكوّنة ثم ضع أسئلة يُمكّن الجواب عنها من القيام بالعمليات المطلوبة بشكل سليم ثم تطبيق كل ذلك على عمليات تحليل

 النص الفلسفي انطلاقا من السؤال: حلل وناقش النص التالي.

الخطوة الثانية هي تطبيق التمرين على نصّ تمثيلي وصياغة أسئلة تهدف إلى:

  1.  فهم النص، أسئلة من نوع: عما يتحدث هذا النص؟ ما هو المفهوم المركزي في هذا النص؟ هل تجد في النص مفاهيم فرعية متناقضة، استخرجها على شكل أزواج؟ ….
  2. الانخراط في تحليل حجاجية النص عن طريق أسئلة من نوع: هل يقدم النص موقفا موحدا أم مواقف متعارضة؟ وأسئلة تتعرض لأسلوب تقديم الحجج ومبررات الأمثلة وغيرها.
  3. الانفتاح على العالم اليوم عن طريق سؤال المتعلم عن رأيه في الموقف الذي يدافع عنه النص.
  4. يطلب من المتعلم صياغة أجوبته على شكل إنشاء فلسفي “عملية تحليل النصّ”.

رابعاً: بعض الأساليب الحجاجية الأساسية في الخطاب الفلسفي


إن الأساليب والتقنيات الحجاجية التي تستعمل في الخطاب الفلسفي كثيرة، ويصعب

صياغتها في إطار كمنظم ووفق مبادئ محددة، لذلك سيتم تناول بعضها، تلك التي تحضر بقوة في النصوص الفلسفية والتي يمكن لتدريس الفلسفة استثمارها والعمل على إكسابها للمتعلمين. يمكن تحديد ثلاث عمليات أساسية تندرج في إطارها أهم الأساليب الحجاجية:

أ‌- عمليات استدلالية: تخص الخطاب انطلاقا من مقدماته حتى نتائجه كالاستنتاج والاستقراء والمماثلة.

ب‌- جدلية: كالمناقشة والمحاورة والدحض وامتحان الآراء والإثبات والتركيب.

ج- عمليات شعرية: تخص البناء البلاغي للخطاب كالمماثلة والاستعارة والتمثيل ومختلف طرق الإيحاء والإيهام.

تهدف العمليات الأولى إلى إقناع المتلقي، وتهدف الثانية إلى نقل القناعة من شخص إلى آخر، وتهدف الثالثة إلى التأثير الوجداني عليه.

– المثال: يعنى المثال بالعودة إلى حادث مفرد ، قد يكون واقعيا أو متخيلا، وهو أداة إقناعية أساسية، لأنه قد يدعم قاعدة عامة، وبالتالي فهو لا يساعد على الفهم فحسب ولكنه يدفع نحو الاعتقاد وتقوية الإقناع.

للمثال وظيفة ديداكتيكية أساسية تتمثل في استقطاب التلميذ نفسيا وجعله ينخرط ذاتيا وتلقائيا في ممارسة التفلسف، لأنه يفتح الحقل الدلالي الفلسفي على عالم الواقع والتجربة المعيشة.

-حجة السلطة المعرفية: إنها من حالات المثال، ويقصد بها استثمار رأي شخصية علمية أو فلسفية مختصة لضمان دعم أطروحة ما، وهي حجة لا يمكن الاستغناء عنها لأنها حاضرة حتى في المراجع العلمية وهي أيضا حجة حاضرة في كل النصوص الفلسفية تقريبا.

– المماثلة:وتتميز بالحضور القوي في مختلف أشكال الخطاب وخصوصا في الرياضيات والفلسفة، وتعني وجود تشابه بين علاقتين: علاقة معروفة الحدود والعناصر، وعلاقة مجهولة. وتتخذ العلاقة الأولى كأداة للتفكير في العلاقة الثانية، وهنا تكمن القيمة الحجاجية للمماثلة كأداة للتفكير والبناء.

-الاستدلال:إنه في مختلف صوره انتقال من مقدمات إلى نتيجة، ويتحدد الأساسي في الاستدلال في مختلف صوره (مباشر-غير مباشر) في العلاقة الضرورية بين المقدمات والنتائج رغم طابعها الصوري، وهو عملية تسود جميع النصوص لأنه أداة أساسية للفكر والتفكير. وقد اعتبر أرسطو القياس أسس مراتب الاستدلال من حيث اليقين والخضوع لمبادئ العقل الأساسية.

-الإحراج: وهو استدلال يقوم على اختيار بديل يبين أنه كيفما كان الموقف الذي نتبناه بصدد قضية ما، تكون النتيجة نفسها. إن قوته الحجاجية يكمن في كونه يترك إمكانية الاختيار للخصم، وهم الاختيار فقط

– الاستقراء:أداة أساسية لبناء المفاهيم والأحكام انطلاقا من فحص موضوعات … مختلفة.

-الجدل:يرد الجدل هنا بمعناه اليوناني كفن للقول والحوار ومناقشة الأفكار وتصنيفها. ولكنه يرد كذلك بدلالته الهيغلية كقانون للعقل والوجود، ومن ثمة كطريقة للتفكير وإدراك القضايا وبناء المواقف والتصورات: قضية- نقيض-تركيب.

تتضمن كل دلالة من هاتين الدلالتين أبعادا بيداغوجية ، لأن الجدل يعلم نسبية الأفكار وضرورة تنظيم التفكير ، وإصدار الأحكام في دلالته الأولى …وشمولية النظر وجدلية الوحدة والاختلاف والتطور في دلالته الثانية.

*إذاً،إن الاهتمام بأساليب الحجاج في درس الفلسفة اهتمام وظيفي ينطلق من استحالة الفصل في الخطاب الفلسفي بين الأطروحات والمواقف والحجج التي تؤسسها، ومن ثمة لا تدرس هذه الأساليب لذاتها بل في علاقاتها بسياقاتها الديداكتيكية في الدرس.

خامساً:الوظيفة الديداكتيكية للحجاج في درس الفلسفة:


إن تأسس الدرس الفلسفي الجديد، يقوم على تحقيق الأهداف الثلاثة: المفهوم والإشكالية والحجاج.كذلك الاشتغال على هذه الأهداف يعني تحقيق العمليات الثلاث:المفهمة و الاشكلة و الحجاج .فالمفهمة تحقق بناء المفهوم و الاشكلة بناء و صياغة الأسئلة اعتمادا على أطروحات فلسفية،أما الحجاج فيهدف إلى الإقناع بمشروعية المفهوم و الأسئلة من جهة،و تقديم أدلة على حقيقة الخطاب الفلسفي من جهة أخرى.  

أ-الحجاج من وجهة ديداكتيكية:


إن الاهتمام بالحجاج في الفكر الفلسفي المعاصر جاء في سياق النقاش حول أهمية البناءات الصورية المنطقية، ومدى صلاحيتها لتحليل الخطابات فتبين محدودية اعتماد الآليات والأدوات المنطقية في تحليل خطاب يعتمد أساسا على اللغة الطبيعية ذلك أنه لا يمكن معرفة بشكل مسبق مضمون ودلالة الألفاظ التي يتم استعمالها في إنتاج الخطاب وتوظيفه للتواصل، فهناك فائض لغوي لا يمكن التحكم فيه.هذا ما يفسر الاهتمام الذي لاقاه الحجاج مؤخرا.و ما يهمنا هو الأدوار التي يقوم بها الخطاب كأداة حجاجية عندما يوظف لإثبات فرضية فلسفية في الدرس الفلسفي، وإقناع المتعلمين بأهمية أطروحة فلسفية أو الدفع بهم إلى تبني موقف فلسفي.

و يظهر ذلك من خلال الوضعيات الثلاث التي تتكون من : الإثبات والإقناع والتبني،والتي تحدد لنا  وظيفة الحجاج الديداكتيكية في الدرس الفلسفي.

– الوضعية الأولى، تهم الخطاب من حيث هو حامل لحجج تتشكل من آراء وأفكار ومفاهيم يقدمها المتلقي على أساس أنها دعامته الأساسية التي يعتمدها كخطاب فلسفي يتوخى إعطاء مشروعية لما يقدمه.

-الوضعية الثانية، وهي وضعية الإقناع بحيث تتجاوز وضعية تقديم النص لقضاياه بهدف إثبات مشروعيتها إلى المطالبة بالإقناع ” بصحة “و ” حقيقة ” و ” يقينية ” هذه القضايا.

-أما الوضعية الثالثة، هي وضعية التبني والتي يطالب فيها الخطاب بأولويته المطلقة على الخطابات الأخرى ودعوة المتلقي إلى تبني موقفه الفلسفي.

هذه الوضعيات الثلاث توافق وتطابق الوضعيات الثلاث المرتبطة بتحليل الخطاب الفلسفي، وهي وضعية الوقوف على مفاهيم وأطروحات الخطاب ( الإثبات )، وضعية تحديد الإشكالية وأهميتها (الإقناع) ثم وضعية المناقشة والمجادلة (التبني).

ب-وظيفة الحجاج في الدرس الفلسفي و آلياته:         


– وظيفته:

يحدد منهاج مادة الفلسفة مجموعة من الأهداف لدرس المفهوم، ومن هذه الأهداف ما يتعلق بالحجاج، ومن الأهداف التي تدخل تحت نواة الحجاج يمكن أن نذكر الأهداف التالية:

-إبراز محدودية الدلالات اللغوية والمعجمية للمفهوم.

-معالجة الإشكالات الفلسفية عن طريق استدعاء أطروحات الفلاسفة ونظرياتهم.

-اكتساب المتعلم تشبعا وجدانيا بالقيم التي يتأسس عليها التفكير الفلسفي ويعمل على ترسيخها، وفي مقدمتها حرية التفكير والفكر المستقل القائم على العقل والحوار والتواضع والاحترام المتبادل.

يظهر أن هذه الأهداف الثلاثة التي عرضناها تركز على قضية أساسية وهي: إكساب المتعلم مجموعة من المهارات والكفايات” المنهجية والتواصلية” حتى يكون قادرا على ” الإبداع”

لهذا فإن الوقوف في درس الفلسفة عند الآليات الحجاجية وإبرازها للمتعلم بدون تحديد وظيفتها في الفلسفية في الخطاب الفلسفي وبدون بيان إمكانية اعتمادها من أجل” الإبداع” وليس ” التقليد ” يُعدّ عملا مجانيا. لهذا فإننا نعتقد أن تمكين نواة الحجاج من لعب دور ديداكتيكي فعال في درس الفلسفة، يتطلب الاهتمام بالكفايات والمهارات التي تساعد على معالجة و مناقشة أي موقف فلسفي ، وهو ما يرجعنا إلى الوضعيات الثلاث التي تحدثنا عنها سابقا وهي وضعيات : الإثبات والإقناع والتبني. فالهدف هو تمكين المتعلم من أن  يكون قادرا على ” تفكيك ” الخطاب الفلسفي إلى مفاهيمه وقضاياه وأطروحته وأسئلته في مرحلة أولى، ثم يقوم بعد ذلك باتخاذ موقف ” إيجابي: بتبني أطروحة ما يعرض عليه أو أطروحة مغايرة، وأن يكون قادرا على الدفاع على اختياره.

-آلياته (تطبيق)

إذا توقفنا عند نص ديكارت الذي يدعونا فيه إلى تبني القول”أن الإنسان هو الكائن العاقل و المفكر الوحيد، و هذا يجعل منه الكائن الوحيد الذي يتكلم”.

 إذا أردنا أن ندرس هذه الأطروحة اعتمادا على الوضعيات الثلاث فإننا نجد:

  *وضعية الاثباث: يعتمد النص في اتساقه وانسجام مفاهيمه وقضاياه وآرائه على تعارض بين الإنسان والحيوان مما ينتج عنه:

أ- الأزواج المفهومية:

-العقل / غياب = الانفعالات

– الوعي / البرمجة / الانفعالات

– الكلام / الحركات الطبيعية

– الإبداع / التقليد

ب- الشخوص المفهومية:

الصم البكم،القردة، الأطفال البلهاء..الأغبياء الببغاء ، الحيوان، الإنسان…

ج- الآليات المفارقة: المماثلة، النقد،استعمال المثال..


* وضعية اّلإقناع:يود ديكارت من الأمور السابقة إعطاء مشروعية لإشكاليته وجعلها تتسم بطابع ” الحقيقة “و ” الصحة ” وهو يعتمد بذلك على الدفع بالمتلقي إلى الانطلاق من ذاته كإنسان، وهذا هو منطلق الديكارتية أساسا، وبالتالي توظيف تجاربه كمدخل لإبراز مشروعية الإّشكالية التي يعالجها، وهذا يظهر عندما يقول ديكارت:” مما يستحق الذكر أنه ليس من الناس…منهم من لا يقدرون على تأليف كلمات مختلفة”….

  “-لأن المرء يرى الببغاء تستطيع أن تنطق ببعض الكلمات مثلنا ولكنها مع ذلك لا تستطيع أن تنطق مثلنا”

-” ولما كان من الملاحظ التباين بين أفراد النوع الواحد من الحيوان كما في أفراد الإنسان…فإنه لا يصدق أن قردا أو ببغاء من أكمل نوعه يكافئ في ذلك طفلا من أغبى الأطفال”

-” أن تتفاهم معنا كما نتفاهم مع أمثالنا”

يود ديكارت إذن أن يقنعنا بصحة وحقيقة ويقينية أطروحته، وبالتالي بمشروعية إشكاليته، وهذا ما يفسر أن خطابه منسوج بواسطة الأمثلة والمقارنة.

*وضعية التبني: كما هو معروف فإن ديكارت صاحب مذهب فلسفي عقلاني، وهذا معناه أن النص الذي خصه لمسألة اللغة يهدف منه أن يجعلنا نتبنى هذا الموقف والذي يرجع إلى الإيمان بالعقل وما يرتبط به من وعي وحرية وفعل…أي كل السمات التي تميز الإنسان باعتباره حيوانا عاقلا والتي صاغها ديكارت في قولته المعروفة” أنا أفكر إذن أنا موجود

الخلاصة التي يمكن أن نصل إليها وهي أن ديكارت يهدف إلى جعلنا نتبنى الموقف الفلسفي الذي يؤمن بقوة العقل والفكر، لأن الإنسان هو الوحيد فوق الأرض الذي هو العاقل و لا يوجد هناك من ينافسه.

سادساً:الحجاج و التمارين في درس الفلسفة:


تشكل التمارين الفلسفية واحدة من أبرز القضايا الرئيسية التي يرتكز عليها تعليم مادة الفلسفة في التعليم الثانوي؛ فالدرس الفلسفي هو تمرين مستمر على ممارسة التفكير الفلسفي بما يقوم عليه من  عمليات ذهنية و ما يستدعيه من مهارات و ما يعتمده من أدوات تستمد من تفلسف الفلاسفة أنفسهم.

 -التمارين الفلسفية وتعلم التفلسف :

يقترن الحديث عن التمارين الفلسفية بالأهداف الأساسية التي رسمها الفلاسفة وهم يعلمون الفلسفة أو يؤسسون نظرية بيداغوجية لتعليمها. فالفلسفة إذا ليست مجرد أفكار ونظريات فلسفية ، وإنما لا بد الابتعاد فيها إلى التطبيق والتمارين الصفية و الاقتراب منها بطرق مختلفة.

برأي الفلاسفة من يعلم الفلسفة لا يقوم مقام الوصي على عقوله تلاميذه، بل يرشدهم إلى طريق العمل و التفكير الشخصي.

من خلال هذا التصور الفلسفي للتعليم كتمرين مستمر على التفكير الفلسفي يمكن بلورة الاستنتاجات التالية:

أ- إن الفلسفة ليست معرفة جاهزة بل هي، قبل كل شيء، نشاط للتفكير، و هذا يعني القول بضرورة التمارين الفلسفية، خصوصا حينما يتعلق الأمر بتدريس الفلسفة كمادة مدرسية.

ب- الفلسفة إبداع ذاتي، وفي الأساس الفردي لإبداعها تكمن إحدى أسباب مراهنة التعليم الفلسفي على مبدأ التعلم الذاتي لتعلم التفلسف و التمرين عليه.

ج- إن الإبداع و التميز في تفلسف الفلاسفة ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في تعلم التفلسف كفعل بيداغوجي تنخرط فيه جماعة الفصل الدراسي من خلال جعله ممارسة فردية تقود المتعلم إلى الانخراط في ذلك الفعل و الاقتناع بالقيام به.

إن القول بأن الفلسفة لا تقدم معرفة بل تفكيرا لا يجب أن يفهم كتقليل من أهمية المضمون المعرفي في الدرس الفلسفي، بما في ذلك ما يتضمنه ذلك الدرس من تمارين، بقدر ما يفيد كون الفلسفة لا تمنح معارف جاهزة يتعين اكتسابها بصورة مباشرة و كأنها حقائق نهائية، بل ينبغي إقامة علاقة تفكير و تفلسف مع ذلك المحتوى، علما بأنه لا يتأتى يبين حركية الفكر إلا في ارتباطه بالمحتويات التي يطبق عليها و ينتج ذاته بواسطتها. 

سابعاً: أهداف التمارين الحجاجية :

يقتضي تعلم “التفلسف” في أحد أبعاده اكتساب مهارات تعلم المحاجة، و هذا يتطلب أن يكون درس الفلسفة مجالا لهذا الاكتساب، لذلك ينبغي على المدرس أن يمتلك جهازا،أي مجموعة من الأدوات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، لكنه لا يكفي أن نتحدث عن أهمية الحجاج بالنسبة لفعل التفلسف، أو أن نلجأ إلى عرض أطروحة ما و تدعيمها بحجج، لكي نطمئن و ننتظر تحقق مهارة الحجاج مباشرة لدى التلاميذ ، أو حتى يتحقق إدراك ما المقصود بالحجاج الفلسفي و تأسيسه كمفهوم . بناء على ذلك ينبغي على المدرس أن يبني نموذجه الخاص عن الحجاج الفلسفي- باعتبار أن هناك عدة نماذج لهذا الحجاج- و أن يدرك وضع الحجة في الفلسفة و مستوى تميزها عن الحجة في حقول معرفية أخرى: كالبرهنة في الرياضيات، التحقق التجريبي، الحجاج في القانون … الخ.

و بعد بناء و تدقيق التصور حول الحجاج الفلسفي الذي تم تبيينه، يجب التساؤل حول ماذا ينبغي أن يكون مطلوبا بالنسبة للتلاميذ لكي يتعلموا المحاججة فلسفيا، و هذا الأمر يعني في جوهره الحديث عن الأهداف المتوخاة من التمارين الحجاجية.

ثامناً:تمارين

التمرين الأول: أبرز نوع الحجاج المستخدم في النص التالي، و حدد مجالاته ووظائفه:

نص لكانط

إن الطالب الذي أنهى تعليمه المدرسي كان قد تعود على الحفظ و يظن الآن وهو مقبل على تعلم الفلسفة أنه سيحفظها أيضا و لكن هذا في واقع الأمر مستحيل إن الأمر يقتضي أن يتعلم التفلسف إذ لكي تحفظ الفلسفة ينبغي أولا أن تكون هناك فلسفة قائمة الذات بحيث يصبح في وسعنا أن نقدم عنها كتابا و نقول هاكم إنه علم ومعارف يقينية تدربوا على فهمه واحفظوه ثم ابنوا عليه في ما بعد و ستصبحون فلاسفة .

فبدل أن نعمل عل تنمية المواهب الذهنية للناشئة التي وضعت في عهدتنا وإعدادها لبناء معرفة شخصية مستقبلية عند البلوغ نغشها بفلسفة نزعم أنها قد اكتملت بعد , وهي فلسفة يقترن بها وهم علم لا يساوي شيئا إلا لدى أوساط معينة لكنه فيما خلا ذلك فاقد للقيمة .

التمرين الثاني:أسئلة من أجل تحليل نص حجاجي:

النص: يقول ابن رشد في فصل المقال

“و إذا تقرر هذا كله،وكلنا نعتقد معشر المسلمين إن شريعتنا هذه الإلهية حق وإنها التي نبهت على هذه السعادة،و دعت إليها،التي هي المعرفة بالله عز وجل و بمخلوقاته،وإن ذلك متقرر عند كل مسلم من الطريق الذي اقتضته جبلته وطبيعته من التصديق،وذلك أن طباع الناس متفاضلة في التصديق،فمنهم من يصدق بالبرهان،ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان بالبرهان،إذا ليس في طباعه أكثر من ذلك ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية …….ولذلك خص عليه السلام،بالبعث إلى الأحمر والأسود أعني لتضمن شريعته طرق الدعاء إلى الله تعالى،وذلك صريح في قوله تعالى “أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن “.

وإذا كانت الشريعة حقا،و داعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق،فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر ألبرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع.” فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له”

                                                  (كتاب الفلسفة العربية،الصف الثالث                                       

                                                    ثانوي،آداب و إنسانيات،ص،177)
أ-ما هو موضوع النص؟


ب-ما هو إشكال النص؟

ج-ما هي الأطروحة التي يسعى النص إلى إثباتها؟

د-أبرز أنوع الحجاج المستخدمة في النص؟

ه- ما هي النتائج التي توصل إليها صاحب النص؟

الجواب

أ- موضوع النص:دعوة الشرع للنظر العقلي.

ب-إشكال النص :هل الشرع والعقل متوافقان دائما ؟أما أن هناك ترجيح للنظر ألبرهاني أمام نقاط الخلاف؟

ج- أطروحة النص :

رغم تباين أساليب التصديق عند الناس(برهانيه،جدلية،خطابية)،إلا أنها تنتهي عند النظر البرهاني الذي يحث عليه الشرع الحق،في نفس الوقت يؤدي أتباع العقل إلى معرفة الحق مما ينتج عن ذلك توافق بين الشرع والعقل أو بين الدين والفلسفة.

– الحجج التي يدافع عنها النص: يؤكد ابن رشد على أهمية العقل وموافقته للشرع معتبراً أن الحكمة والشريعة توأمان تنهلان من نبع واحد هو الحق والحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له ،وكل منهما يسعى نحو غرض واحد هو السعادة.

د-  أنوع الحجاج المستخدمة في النص:

– يستخدم ابن رشد الاستنباط عبر أساليب شرطية(إن….فإن )وذلك واضح من خلال النص المطروح.

– كذلك يعتمد على البرهان المنطقي الذي يعتبره الطريق الأسلم للوصل إلى الحق،وذلك لكي يبين عدم تناقض الفلسفة والشريعة من حيث الأهداف والنتائج رغم تباين الوسائل …ويقدم أطروحته بطريقة منطقية عقلية كي يدافع عن العقل وحريته في البحث كذلك كي يثبت منطقيا وشرعيا ضرورة النظر البرهاني وفي ذلك محاولة توفيقية بين الدين والفلسفة.

ه-  النتائج التي توصل إليها من خلال الاستدلال المنطقي:
إذا كانت الشريعة حقا وداعية إلى النظر البرهاني.

والنظر البرهاني مؤدي إلى معرفة الحق

إذن ،الشريعة والنظر البرهاني حق.

التمرين الثالث:دحض حجة بحجة من طبيعة مغايرة:(موضوع الذاكرة)

-النظرية المادية” ريبو””تحفظ الذكريات في الدماغ على شكل آثار مادية”،

 أي أن الذكريات من طبيعة  مادية ومحفورة في قشرة الدماغ كأثلام…

-النظرية الروحانية”برغسون”تعتبر إن الذكريات هي أفكار ،و الذكريات لا تحفظ       في الدماغ وهو وعاء مادي….

تاسعاً:الخاتمة 

يقتضي القيام بالمحاجة التي هي خطاب استدلالي إقناعي، للتأثير على المخاطب وإقناعه بصواب أو بطلان موقف ما باعتماد مسوغات ومبررات وأدلة وحجج منطقية.

وهكذا نخلص إلى أن تقديم الحجاج على أطروحة ما، دفاعا أو رفضا، لا يتم إلا من خلال الإجابة على مشكل معين يحدد العلاقة بين مجموعة من المفاهيم. فالمحاجة لا يكون لها معنى إلا في علاقتها بالإشكالية والإشكالية لا تكون ممكنة إلا بتحليل الموضوعات ومفهمتها.

انطلاقا من محطات التفكير الفلسفي ، تتبين لنا فعالية التفكير الذاتي القائم على المساءلة والنقد وحل الإشكالات بتقديم أطروحات أو دحضها اعتمادا على آليات حجاجية متنوعة.

إعداد:الأستاذة فاطمة كركي والأستاذة  فاطمة خنافر

-------------------------

الأساليب الحجاجية في الفلسفة ثانية باك
البنية الحجاجية في الفلسفة أولى باك
أسلوب التأكيد في الفلسفة
الأساليب الحجاجية في الفلسفة جدع مشترك علمي
الحجاج في الفلسفة pdf
أساليب الحجاج 2
الروابط المنطقية في الفلسفة pdf
أساليب نص فلسفي