ليست النظرية معرفة، بل ما يتيح المعرفة. إنها ليست حلا لمشكل، بل إمكانية لمعالجته.أوضح مضمون القولة، وبين أبعادها

"ليست النظرية معرفة، بل ما يتيح المعرفة. إنها ليست حلا لمشكل، بل إمكانية لمعالجته."أوضح مضمون القولة، وبين أبعادها

نموذج تحليل القولة المرفقة بالسؤال: نموذج تطبيقي، النظرية والتجربة الامتحان الوطني سنة 2009.

ليست النظرية معرفة، بل ما يتيح المعرفة. إنها ليست حلا لمشكل، بل إمكانية لمعالجته.أوضح مضمون القولة، وبين أبعادها

"ليست النظرية معرفة، بل ما يتيح المعرفة. إنها ليست حلا لمشكل، بل إمكانية لمعالجته."
أوضح مضمون القولة، وبين أبعادها

1) مطلب الفهم المقدمة

المطلوب تحديد موضوع القولة ومجالها صياغة إشكالها وطرح الأسئلة الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة

تتناول القولة التي بين أيدينا موضوع مكانة أو دور النظرية في بناء المعرفة العلمية، فهي بذلك تندرج ضمن المجال الإشكالي المؤطر بمجزوءة المعرفة، والذي يرتكز على البحث عن أسس المعرفة العلمية، وهو ما تتناوله الفلسفة في مبحث خاص من مباحثها يسمى الابستمولوجيا، ويهتم هذا المبحث” بالدراسة النقدية لمبادئ المعرفة العلمية، من حيث فرضياتها، ومناهجها، ونتائجها.....

وتثير القولة على وجه التحديد إشكال العلاقة بين النظرية والمعرفة، وهو إشكال يدفعنا إليه ما نراه، من الاستعمال الشائع لكلمة نظرية، فهي مفهوم فضفاض، يتسع ثارة ويضیق ثارة أخرى، حسب المجال الذي يُستعمل فیه، فنجد بعض الناس یتحدث عن نظریة فلان في العلاقات الزوجیة أو نظریة فلان في التربیة، أو نظریة فلان في الحیاة وغیر ذلك، ویتعلق الأمر ھنا بمجموعة من الأحكام حول الطبیعة أو المجتمع، یكونھا الفرد من خلال ما راكمه من تجارب ومعارف، وخبرات حیاتیة أو مھنیة.

والحال إن النظریة بھذا المعنى لا تعدو أن تكون وجھة نظر أو رأیا من الآراء، لكن قد تقع المفاضلة بین ھذه الآراء التي تدعي صفة "النظریة"، فتجد من یزعم ان قوله نظریة علمیة، وھو ما یجعلنا نتساءل، هل النظرية معرفة؟ أو بعبارة أخرى ما طبيعة النظرية في العلم؟ وما دورها في بناء المعرفة العلمية؟ وهل تقوم المعرفة العلمية على النظرية أم على التجربة؟ وأيهما يحكم الآخر في بناء المعرفة العلمية؟

2) مطلب التحليل:

المطلوب كشف أطروحة القولة وشرح مضمونها بالاشتغال على مفاهيمها والعلاقة فيما بينها وتحليل حجاجها أو إغناءه بما يناسب.

يدافع صاحب القولة عن أطروحة مؤداها أن النظرية أداة معرفية تسمح بمعالجة مشكلة ما، لكنها ليست معرفة أو حلا للمشكلة.

ويستفاد من هذا القول، إن النظرية مجرد وسيلة أو أداة لبناء المعرفة وليست هي نفسها معرفة أو بالاحرى ليست معرفة تامة، بحيث يمكن من خلالها بناء المعرفة، دون أن تعتبر في حد ذاتها معرفة. يتضمن مفهوم النظرية بهذا المعنى بعدا منهجيا فهي خطوة من خطوات بناء المعرفة، وبهذا المعنى فالنظرية بما هي” إنشاء تأملي للفكر يربط النتائج بالمبادئ“مثلما يعرفها لالاند، لا تعدو أن تكون فكرة، وبما هي مجرد فكرة تفتح أفق المعرفة، فهي أقرب لمعنى الفرضية في المنهج التجريبي.

بهذا المعنى فإن النظرية هي مجرد فكرة تخمينية، يضعها العالم قصد تفسير ظاهرة ما، وبغية إختبارها تجريبيا لاحقا، النظرية إذن مجرد فرضية تسمح ببناء المعرفة العلمية، لكنها لا تعتبر في حد ذاتها معرفة علمية.

ومثلما رأينا سابقا فالنظرية حسب القولة تتخذ معنى أقرب للفرضية ولما كانت هذه الأخيرة –الفرضية- من طبيعتها حسب دعاة المنهج التجريبي ألا تشكل حلا نهائيا للمشكلة، فهي مجرد فكرة مؤقتة وتقريبية يجب التحقق من صدقها تجريبيا، فطبيعي أنها لا تقدم سوى إطار للبحث قصد معالجة المشكلة. وهو ما لا يتحقق إلا عبر التجربة. وهذا ما نلمسه مثلا في تجربة الأرانب عند برنار ففرضية أن الحيوانات العاشبة تصبح لاحمة إذا تعرضت للتجويع ما كانت لتكون لها قيمة لولا أن أثبتتها التجربة، إنها مجرد وسيلة سمحت للعالم بأن يقوم بتجارب، لكن ما أثبتته التجربة هو المعرفة العلمية الحقة.

وهكذا فإن العلاقة بين مفهومي النظرية والمعرفة، علاقة تضمن، فالنظرية جزء من المعرفة، باعتبارها مجرد أداة منهجية في بناء المعرفة ومعالجة مشكلاتها، لكنها لا تشكل معرفة أو حلا للمشكلات في حد ذاتها.

نستنتج إذن، ان المعرفة العلمية تقوم على نتائج التجربة بما هي الحل المؤكد للمشاكل العلمية. أما النظرية فمجرد أداة مساعدة، تقتصر وظيفتها على وضع فرضيات أو تخمينات تسمح للمعرفة بالتكون من خلال اختبارها تجريبيا أو هي مجرد تنظيم للمعطيات أو القوانين التجريبية في مبادئ متماسكة يسهل تناولها.

3) مطلب المناقشة:

المطلوب: مناقشة قيمة وحدود أطروحة القولة في ضوء إستحضار المطلب المرفق بها واستثمار تصورات أخرى تناولت نفس موضوعها

1-القيمة الفلسفية:

تأسيسا على ما سبق، تنطوي القولة، على تصور يبخس من قيمة النظرية باعتبارها معرفة أو حلا للمشكلات العلمية من جهة، لكنه يعلي من جهة أخرى من قيمتها باعتبارها أداة منهجية للمعرفة. فدور النظرية إذن في بناء المعرفة دور جزئي فهي مجرد وسيلة وليست غاية المعرفة العلمية.

المواقف المؤيد:

وبذلك فإن القولة تؤكد على البعد المنهجي للنظرية، في المقابل نستنتج أن هذا الحط من قيمة النظرية فيه إعلاء غير مباشر، لدور التجربة في بناء الحقائق والمعارف العلمية. لأن النظرية هنا تأخذ مثلما سبق بيانه دور الفرضية، التي لا يثبت صدقها إلا بمعيار التجربة، تصور يؤكده الفيلسوف رايشنباخ بدوره، إذ يذهب إلى حد نقد ورفض كل دعوى ترى أنه بإمكان العقل وحده مستقلا إنتاج معرفة علمية، إذ أن المعرفة العلمية حسب رايشنباخ: معقولة وليست عقلانية. فهو ينفي عنها صفة العقلانية التي تدل بحسبه على ذلك المذهب الفلسفي الذي يعتبر العقل وحده مصدرا للمعرفة المتعلقة بالواقع دونما حاجة إلى الملاحظة والتجربة، ويرى أن هذا التصور أقرب للتصوف منه إلى العلم. وينعتها بالمعقولة لأنها تستخدم العقل مطبقا على المادة التجريبية، التي تمدنا بها الملاحظة العلمية. بوصفها مصدرا للحقيقة. بمعنى أن دور العقل هو اثبات الارتباطات بين مختلف نتائج البحث التجريبي فحسب.

وبناء على ما سبق، فإن التجربة بمعناها العلمي أي القدرة على اختبار النظريات ومعرفة مدى قابليتها للتحقق التجريبي، هو ما يؤسس لعلمية النظريات العلمية. ما يعني ان النظرية وحدها مستقلة عن التجربة لا تساوي شيئا وهو نفس ما يؤكده القولة فالنظرية ليست معرفة ولا حلا لمشكلة.

المواقف المعارضة:

لكن هذا التبخيس أو التنقيص من دور أو مكانة وقيمة النظرية في بناء المعرفة العلمية، محدود من حيث حقيقته، إذ في تاريخ العلم ما يثبت أن العديد من النظريات ليست مجرد وسيلة، بل هي عين المعرفة العلمية، وخاصة في المجالات التي لا تجدي فيها التجربة بمعناها العلمي الكلاسيكي (التجربة المخبرية) ومثال ذلك، دراسة حركة وسرعة الالكترون في مجال الميكروفيزياء، والذي لا يقبل الملاحظة المباشرة او التجريب، وفضلا عن ذلك أثبتت بعض النظريات قوتها في اكتشاف ظواهر علمية مثل الاكتشاف الرياضي لكوكب نبتون، من خلال نظرية نيوتن في الجاذبية، فهنا رأينا كوكب نبتون نظريا، قبل رؤيته بصريا أو تجريبيا، إن النظرية إذن بقدر ما ساعدت على كشف واقعة تجريبية بقدر ما وجهة العلماء في الملاحظة.

وبذلك فإن ”العقل الخالص (العقل مستقلا عن التجربة) قادر على فهم الواقع“ مثلما يقول العالم الفيزيائي اينشتاين. والذي یؤكد أن العقل النظري ھو المصدر الخلاق في بناء المعرفة العلمیة، أما التجریب فھو تابع للعقل، إذ تقتضي العقلانیة العلمیة تناسبه مع النظریات العقلیة. ویضرب اینشتاین مثلا لدور العقل، من مجال إختصاصه أي الفیزیاء المعاصرة، مبینا أن النسق النظري للفیزیاء المعاصرة یتكون من مفاھیم ومبادئ ھي ابداعات للعقل الریاضي، ومن ذلك نظریته حول النسبیة التي ترتكز على البناء الریاضي.

إذن فالمعرفة العلمیة، لا تقوم على مراكمة المشاھدات الحسیة، بل على تجاوز أخطاء، وحل مشكلات نظریة، عبر طرح فرضیات جریئة وتعریضھا للاختبار، قصد تفنیدھا، بحیث تظل التجارب خاضعة للفكر النظري، فالملاحظة والتجربة مسبوقة دائما بفرضیة ومتبوعة بفرضیة. والفرضية هنا يقصد بها النظرية، وكما يرى بوبر فإن المنھج العلمي يقوم على المحاولة والخطأ: محاولة: یعني وضع لفرضیات جریئة وخطأ: وتعني تكذیب لفرضیات أخرى سائدة، لأن الباحث العلمي حسب بوبر یبدأ من مشكلة نظریة ثم یحاول اقتراح حل لھا، ولا یتم الركون لھذا الحل إلا بعد نقد جوانب عدة من مضمونه المعرفي واستبعاد أخطائه.

وھكذا یحاول الباحث في مجال العلم اقتراح فرضیات أو نظريات معینة ثم یضعھا على محك التكذیب والتفنید، أي اختبارھا لتبین العیب فیھا والفرضية أو النظریة التي لا یمكن تبیان العیب فیھا أو تفنیدھا ھي نظریة غیر قابلة للاختبار وبالتالي غیر علمیة، بمعنى أن على العالم دائما وھو یضع فرضیته أن یضع معھا التجربة او الملاحظة التي یتوقع أن تكون تفنیدا لھا. لذلك فمعيار علمية النظريات ليس التحقق التجريبي من صحتها، بل انفتاحها على التكذيب، وفي كل حالة فإن منطلق ومنتهى المعرفة العلمية هو بناء نظرية علمية. إن النظرية إذن ليست فقط نقطة انطلاق منهجية للمعرفة بل ومنتهاها، لذلك فالنظرية معرفة وحل لمشكلة علمية خلافا لما يزعمه صاحب القولة.

4) مطلب التركيب:

المطلوب استخلاص نتائج التحليل والمناقشة وإبداء الراي الشخصي المدعم حول موضوعها

خلاصة القول، إن مكانة النظرية في بناء المعرفة العلمية تراوحت حولها المواقف بين تصورين متعارضين:

· تصور أول يعتبر النظرية مجرد منطلق منهجي للمعرفة العلمية التي منتهاها التحقق التجريبي، وهي فكرة يؤكدها صاحب القولة فضلا عن رايشنباخ ودوهيم باعتبارهم النظرية تابعة للتجربة في المعرفة، وقيمتها يحددها التحقق التجريبي.

· موقف ثاني يعتبرالنظرية منطلق ومنتهى المعرفة العلمية وهو تصور نجد له أثرا واضحا في تاريخ العلم حيث يمكن للنظرية ان تؤسس المعرفة العلمية وتفسر ظواهر بل وتكتشف وقائع جديدة، مثال اكتشاف كوكب نبتون، وهو ما أكد عليه كلا من اينشتاين وبوبر باعتبارهما النظرية أساس المعرفة العلمية والتجربة تابعة لها

إن التناقض الظاهري يستدرجنا للقول، إنه ليس معبرا عن حقيقة المعرفة العلمية ولا عن مكانة النظرية فيها، لسبب بسيط وهو ان مفهوم المعرفة العلمية غير دقيق، ذلك أن المعارف العلمية عديدة ومتنوعة، فمنها الطبية والبيولوجية والفيزيائية والفلكية والاجتماعية والنفسية. فإذ كانت المعرفة البيولوجية تقوم على التجربة معيارا لحقائقها؛ لأن ظواهرها مما يقبل الخضوع للتحقق التجريبي، فإن المعرفة العلمية الفلكية ليست كذلك، وبالتالي فالنظرية هنا تملك أولوية أكبر من التجربة التي يتعذر تحقيقها في دراسة حركة الكواكب.

وهكذا فإنه لا يمكن المفاضلة بين دور النظرية والتجربة في المعرفة العلمية إلا باعتبار المجال العلمي، وفي جميع الحالات فإن النظرية ضرورية في بناء المعرفة سواء كانت منطلقا أو منتهى ما تصل له معرفة علمية، فالنظرية هي دائما ما يقود الملاحظة والتجربة، سواء لاثباتها أو لتفنيدها .

مطلب الجوانب الشكلية: سلامة اللغة وضوح الخط وتماسك العرض


يمكنك الاطلاع أيضا على :

تحليل القولة يكون الإنسان أكثر حرية في ظل قوانين الدولة
ما أساس النظرية العلمية؟ تحليل سؤال
هل يعد وجود الغير ضروري بالنسبة للذات؟ نموذج تحليل السؤال مادة الفلسفة
هل يُمكن معرفة الغير عن طريق المماثلة بيني وبينه؟
معرفة الغير مواقف الفلاسفة
نموذج تطبيقي : معرفة الغير 
هل معرفة الغير ممكنة ؟ نموذج تطبيقي