يجري أساتذة وأستاذات التعليم الابتدائي، مع انطلاق كل موسم دراسي جديد، بحثا اجتماعيا مع كل تلميذ وتلميذة على حدة، بهدف معرفة مختلف الخصوصيات الصحية والاجتماعية التي يعيشها التلميذ، ويتم تسجيل تلك المعطيات في شبكة خاصة يستعين بها الأستاذ طيلة السنة الدراسية ويأخذها بعين الاعتبار خلال تعامله مع كل متعلم ومتعلمة، فينعكس ذلك إيجابيا على التحصيل الدراسي للتلاميذ.
وإذا كان هذا الإجراء التربوي يساعد الأستاذ على تكوين صورة شاملة وشبه متكاملة على حياة التلميذ وظروف عيشه خارج المدرسة، ويمكّنه من استغلال المعطيات المرصودة في تحديد طرق التدريس واختيار نوع الأنشطة ومستوى الصعوبة المناسب لكل متعلم، فإن نقاشات تثار حول سلبيات هذا البحث الاجتماعي، خاصة حين يرتكب بعض الأساتذة أخطاء في الطريقة والظروف التي يتم فيها البحث داخل الفصل الدراسي.
انعكاس البحث الاجتماعي على الدراسة
محمد زبوري، أستاذ بسلك التعليم الابتدائي، قال إن “الهدف من إجراء البحث الاجتماعي لكل تلميذ يساعد الأستاذ في معرفة جميع الحيثيات المحيطة بحياته، وتحديدا في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وما يرتبط بمحيط عيشه ونوع التربية والثقافة اللتين تربى عليهما في سنواته السابقة، ويختلف ذلك بين التعليم بالوسط القروي والتعليم بالمجال الحضري ومدى توفر مقومات العيش ومتطلبات الحياة”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “الأستاذ حين يعرف الحالة الاجتماعية ومستوى عيش التلميذ بين أفراد أسرته، يسهل التعامل معه خلال مطالبته بإنجاز الواجبات المنزلية أو القيام ببحوث خارج الفصل الدراسي، حيث يصعب أو يستحيل الوصول إلى المبتغى مع طفل يعيش مع أفراد أسرة ذات مستوى ثقافي ضعيف، أو لا يتوفر على الربط بالأنترنيت في مسكنه، إضافة إلى من يعيش الفقر أو اليتم أو الأمراض المزمنة…”.
وورد ضمن التصريح ذاته أن “البحث التربوي يعتبر ضرورة ملحة ينبغي على الأستاذ عدم إغفالها مع انطلاق الموسم الدراسي، لأن معرفة الجانب الاجتماعي والصحي لكل تلميذ يجب أن تسبق الممارسة التربوية والعمل التعليمي، خاصة وأن التقويم التشخيصي الذي يتم في بداية السنة الدراسية يتضمن أمورا تربوية تتعلق بالمكتسبات السابقة للمتعلم، ويشمل أيضا مسائل اجتماعية ترتبط بحياة الطفل قبل وصوله إلى ذلك المستوى الدراسي”.
وأكد الأستاذ ذاته أن “عدم إجراء البحث الاجتماعي يجعل التعامل مع التلميذ ضبابيا، وقد يتفاجأ المدرس خلال أداء مهامه التربوية والتعليمية، بمشاكل وعوائق مرتبطة بإصابة أحد الأطفال بمرض مزمن، أو بإحراج مرتبط بمطالبة أحد الأيتام بإحضار والده لسبب من الأسباب، أو تكليف أحد المتعلمين الذين يعيشون مشاكل أسرية بإنجاز واجب منزلي يتطلب المساعدة من أحد أفراد عائلته…، مما يتسبب في بعض الأحيان في إحراج التلميذ وربما إدخاله في عزلة تؤثر سلبا على تحصيله الدراسي”.
البحث الاجتماعي يسهّل ويعيق
من جانبه، قال جبير مجاهد، رئيس المركز الاستراتيجي للدراسات والأبحاث التعليمية والتربوية، إن “الأسرة تؤثر على التحصيل الدراسي باعتبارها مؤسسة اجتماعية تتكفل بكل الوظائف البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعتبر دورها أساسيا في عملية التنشئة الاجتماعية، عبر تشكيل شخصية الفرد وتحديد هويته الاجتماعية، كما أن المستوى الاقتصادي للأسرة يشكل المحدد الأساسي لنوعية التحصيل، دون إغفال تأثير المستوى الثقافي للوالدين على التحصيل الدراسي للأبناء”.
وأضاف أنه “لمعرفة الوضعية الاجتماعية للمتعلمين ومدى قابلية كل فرد منهم، يلجأ المدرس إلى إجراء بحث اجتماعي للتلاميذ، من أجل تسهيل مهمته داخل الفصل، غير أن هذا البحث يجب أن يخضع لضوابط وآليات حتى لا يصير معيقا وحاجزا أمام المتعلم، خاصة إذا كان يعيش وضعية اجتماعية صعبة”، مشددا على أن “العلاقة بين المدرس والمتعلم يجب أن تكون تربوية ومتينة، وتمثل جسرا للتبادل وتوفير الطمأنينة والثقة بين الطرفين، مما يسهل التواصل بينهما ويذلل العراقيل”.
ونبه جبير مجاهد، إلى أنه “في بعض الحالات، يقوم المدرس بالبحث الاجتماعي علنيًّا أمام المتعلمين، مما يضع التلميذ في موقف محرج، خاصة في بعض الحالات الاجتماعية الصعبة كطلاق الأم أو وفاتها، أو العيش مع زوجة الأب…، مما ينعكس سلبا على الأداء الدراسي والتحصيل العلمي للمتعلم”، موردا أن “الطفل قد يصاب بالخجل الذي يجعله عاجزا عن المواكبة والعطاء، وقد يجعله عرضة للتنمر من طرف زملائه الذين يستغلون وضعه الاجتماعي لنعته بأقبح النعوت”.
وشدد مجاهد على ضرورة إخضاع البحث الاجتماعي للتلميذ، باعتباره آلية ووسيلة أساسية لعمل المدرس، إلى مجموعة من الضوابط، من قبيل “اعتماد السرية في إجراء البحث عوض أن يتم أمام أعين وعلى مسمع باقي المتعلمين، تفاديا لأي إحراج، كما ينبغي أن يسبق هذا البحث كلمة تمهيدية للمدرس، يوضح من خلالها أهمية ودور هذا الإجراء التربوي، ويتوخى من خلالها تهييئ المتعلمين للتعبير عن حقيقة وضعهم الاجتماعي بكل أريحية وصدق”.
مقترحات لإنجاح البحث التربوي
أما إبراهيم الخرمودي، عن هيئة التأطير والمراقبة التربوية، فقد أكد “أهمية التقويم التشخيصي بالنسبة للأستاذ وباقي المتدخلين، ويكمن ذلك في استطلاع المكتسبات القبلية كحد أدنى لمواصلة بناء التعلمات اللائقة، وتجميع كل المعطيات حول المتعلم النفسية والاجتماعية، والوضعية الاقتصادية للأسرة…، خاصة وأن كل ممارس يستقبل مجموعات صفية غير متجانسة من حيث انتمائها لأوساط سوسيو-اقتصادية مختلفة، في الوقت الذي يسعى فيه إلى ضمان تكافؤ الفرص بين الجميع”.
وأضاف المتحدث ذاته، أنه “على ضوء المعطيات التي يجمعها الممارس، يمكنه تحديد طبيعة الدعم المناسب لكل فئة من الفئات، والأمر يتعلق بالدعم النفسي والدعم الاجتماعي ودعم التعلمات…”، موضحا أن “الكل يقر بأهمية هذا النوع من التقويم، لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح يتعلق بالكيفية التي يتم من خلالها تمرير هذا التقويم التشخيصي”.
وبالاقتصار على الشق المتعلق بالبحث الاجتماعي للتلميذ، أشار إبراهيم الخرمودي إلى أن “هذا الموضوع أسال الكثير من المداد، وأثار فضول الكثير من المهتمين في الأوساط التربوية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عندما يحيد الممارس عن السكة الصحيحة، فيتحول البحث الاجتماعي إلى مفعول عكسي قد يحرج المتعلم ويكرس لديه النظرة الدونية ويزيد من تعميق الطبقية داخل الصف”.
ولكي لا يسيء الدعم التربوي إلى العملية التعليمية التعلمية من حيث يهدف إلى إنجاحها، دعا المؤطر التربوي إلى “احترام شخصية المتعلم”، و”الاعتماد على الملاحظة المباشرة لتجميع المعطيات”، و”خلق قنوات للتواصل مع الأسرة”، و”اعتماد التاريخ المدرسي للمتعلم المرتبط بالدفاتر ودفاتر التتبع واستقاء معلومات من أساتذته السابقين”، و”الحوار الهادئ والذكي من خلال سياقات تقود الممارس إلى استنتاج المراد”.