هل الابداع وليد عوامل ذاتية ام موضوعية ؟

هل يعود الإبداع إلى عوامل ذاتية أم موضوعية. اقوال فلاسفة عن العوامل الذاتية. ما هي العوامل الموضوعية؟ ما هي العوامل الذاتية؟ هل الإدراك يعود إلى عوامل ذاتية أم موضوعية؟ من العوامل الذاتية المؤثرة في الإدراك؟

هل الإبداع يعود إلى عوامل ذاتية أم موضوعية. مقالة هل الابداع يعود الى عوامل ذاتية ام موضوعية .الموضوع الابداعي. هل الابداع راجع الى عوامل ذاتية ام موضوعية

هل الابداع وليد عوامل ذاتية ام موضوعية ؟

هل الابداع وليد عوامل ذاتية ام موضوعية ؟

يمللك الإنسان القدرة علي تجاوز الزمن الحاضر والماضي ومعايشة أزمنة المستقبل عن طريق التخيل كقدرة ذهنية، فيها يتم الإنشاء وتركيب صور بدلالات جديدة، فهو ينزع إلي التحدر من الواقع وهذا ما يعرف بالتخيل الابداعي الذي يفجر الصورة تفجيرا، وعملية الإبداع لا تنطلق من عدم، بل تتحكم فيها شروط وعوامل واختلف علماء النفس و الفلاسفة في تحديد طبيعة هذه العوامل.إذ هناك من ربط الإبداع بعوامل تخص ذات المبدع من حيث انه عملية فردية وهناك من عارض ذللك و ربطه بعوامل موضوعية اجتماعية وبغرض تهذيب هذا التناقض نتساءل هل الإبداع تتحكم فيه عوامل نفسية وعقلية أم عوامل اجتماعية؟

الموقف الاول

الإبداع ليس ظاهرة عامة منتشرة في المجتمع وانما هو ظاهرة خاصة نجدها عند بعض الأفراد ولا نجدها عند غيرهم. فهي ظاهرة فردية ترتبط بذات المبدع، وهذا ما ذهب اليه كل من روني بواريل وهنري برغسون – بدليل أن العباقرة الذين يمتازون بخصائص نفسية وقدرات عقلية هيأتهم لوعي المشاكل القائمة.

 فالإبداع من هذا المنظور كشف يطالع النفس ويشرف في جوانبها فجأة ويثير فيها حياة انفعالية وفكرية معينة وهذا ما أراد برغسون أن يشيراليه حينما قال" إن الأثرالعبقري يصدر من انفعال خلاق"، وان كان له صلة بميول ورغبات الشخص المبدع. كما يرى فرويد، فالعمل في نظره ليس تعبيرا عن الرغبات المكبوتة التي تتحقق عن طريق الخيال بل هو شكل من أشكال الإرضاء البديلة ما يعرف بالتصعيد والإعلاء، أي تحويل الرغبة من مجالها اللاشعوري إلى المجال الابداعي، وهذا يدل على أن للعملية الإبداعية أصول نفسية عميقة، وهي كثيرا ما تكون مصحوبة بمظاهر الانفعالية حادة وهذا ما يبينه برغسون في قوله" إن العظماء الذين يتخيلون الفروض والأبطال والقديسين الذين يبدعون مفاهيم الأخلاقية لا يبدعون في حالة جمود الدم وانما يبدعون في جو حماسي وتيار ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار والخمور"

 فالانفعالات سواء كانت إيجابية كالفرح والحماس والأمل أوسلبية كالقلق والحزن عوامل تشكل أرضية خصبة الإنجاز الإبداع فقد يصدر الإبداع عن نفوس مفعمة بالفرح متحمسة لعملها آملة في تحقيقه بعد يأس وقلق هذا ما حدث للخنساء عندما قالت شعار نتيجة حزنها على أخيها صخر –فالانفعالات تمثل مكانة هامة في الابداع الفني –وفي الابداع كذللك الجانب الااردي يتمثل في الااردة القوية التي تساعد علي انجاحه فالمبدع يبذل جهدا فكريا خلال تحقيق ابداعه ويعاني معاناة ااردية قد تستمر طويلا وقد عبر الشاعر الفرزدق عن هذه المعاناة فقال )انا عند الناس اشعر الناس وربما مرت ساعة فنزع ضرس اهون علي من اقول بيتا من الشعر ( بالاضافة الى خصوبة مختلف القد ارت العقلية للمبدع كقوة الملاحظة وتداعي الافكار فعين الرسام مثلا لا تلاحظ ما تلاحظه عين الانسان العادي وهذا ما أثبته روني ب واريل )ان الفكرة الخصبة لاتظهر في الغالب الا بعد ساعات طويلة من التفكير فالعبقرية صبر طويل وينبغي للباحث لكي يصل الي نتيجة ان يفكر دائما في اعماله( اذن الابداع ثمرة فعالية الذات المبدعة.

النقد

لا يمكن انكار دور العوامل النفسية في عملية الابداع لانه تجسيد لما يختلج في النفس من معاني وصور ولكن تحقيقه يحتاج الي مناخ اجتماعي وحضاري يوفر للمبدع جملة من الشروط الموضوعية التي دونها تصبح عملية الابداع امار صعبا اذ الكثير من الافارد يملكون قد ارت ذاتية تؤهلهم الي الابتكار والاكتشاف لكن غياب المناخ الاجتماعي المواتي يؤدي الى كمون هذه القد ارت ولوكانت الشروط النفسية كافية فكيف نفسر تاخر بعض الابداعات العلمية الي العصر الحديث وثم كيف نفسر تسجيل اغلب الابداعات في الدول المتقدمة التي تتميز بتوفر الشروط الموضوعية للابداع وكيف نفسر كذللك هجرة الادمغة؟

الموقف الثاني

ان المبدع في نظر الفلاسفة الاجتماعيين، موريس هالبفاكس ودور كايم،لا يستمد مادة ابداعه من واقع المجتمع فحسب بل نشاطه، يعتبر ظاهرة اجتماعية مثل بقية الظواهرالاخرى، فعملية الابداع مهما تعددت مجالتها تتحكم فيها الشروط الاجتماعية الموضوعية، لانه يتوقف على حاجات المجتمع وعلى درجة النمو التي بلغها.

 فالفنانين والعلماء لا يبدعون لأنفسهم وانما يبدعون وفق ما يحتاج اليه المجتمع اذ يقول الطبيب الفرنسي باستور( ان الأفكار الخصبة هي نتاج بنات الحاجة ) فالابداع من هذا المنظور يعتبر تراثا اجتماعيا تتناقله الاجيال، ومادام الفرد من صنع المجتمع فلا بد ان تكون سلوكاته بما فيها السلوكات الابداعية من نتاج المجتمع.

  وكل تراث علمي او فني هو تجسيد لطبيعة المجتمع القبلي واختراع وسائل الحرب ماهو الا وسيلة للمحافظة على كيان المجتمع. كما ان العوامل الاقتصادية تساهم بقدر كبير في العملية الابداعية بدليل ان الدول ذات الرخاء الاقتصادي هي التي تسجل اكبر نسبة من العمليات الابداعية في العالم مثل ماهو الحال في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

 فالمجتمع هو الذي يمنح لمبدعه الأدوات والوسائل الضرورية للابداع مثل المكتسبات الثقافية كاللغة والعادات والتقاليد. فلا يستطيع اي انسان مهما كانت مواهبه ان يبدع في ظل غياب المناخ الاجتماعي يقول دوركايم )المبدع هو الذي يمتللك القدرة ويتمتع بحسب حالة الجمهور( كما يعد التنافس بين المجتمعات وسعيها الي اثبات الوجود مجالا خصبا للابداع فهذا الامر يفتح المجال الي تحفيز الافارد على الابداع بتوفير شروط ذلك فالتنافس العسكري بين الو.م.ا والاتحاد السوفيتي سابقا اثناء الحرب الباردة ادى الى الابداع في مجال التسلح واختارع القنبلة الن ووية كما ان اليابان لم تكن شيئا يذكر بعد الحرب العالمية الثانية فقد خرجت مدمرة وهذا يدل على ان المبدع لايعالج الا المشاكل التي تظهر في وسطه الاجتماعي ولا يبدع اي شيئا لا اذا توفرت لديه جملة من الشر وط الاجتماعية

نقد

على الرغم من أن المبدع يستمد مادة ابداعه من الواقع الاجتماعي، إلا أن عملية الإبداع تحمل في طياتها بصمات تعبرعن حرية العقل. ذلك أن الأفكار الجديدة غالبًا ما تقابل بالرفض من قبل المجتمع إذا كانت تخالف عاداته ومعتقداته. وهذا ما حدث لغاليلي عندما اكتشف فكرة دوران الأرض حول الشمس، والتي قوبلت بالرفض من قبل المجتمع لأنها تتناقض مع الفكرة السائدة التي تقول بثبات الأرض.


فالمجتمع غالبا ما يحارب جرأة المبدع، ولوكان الابداع راجعا الى عوامل موضوعية فقط، لكان لكل الافراد الذين في بيئة واحدة ابداعات، والواقع يكذب ذلك وكيف نفسرعدم ظهور مبدعين في المجتمعات المختلفة وقد تتوفر الظروف الاجتماعية المناسبة، كما ان الفروق الفردية تشير الي تفاوت الناس في القدارت العقلية بصفة عامة وفي الذكاء بصفة خاصة، مما يجعلنا نعتقد ان المبدعين لهم طبيعة خاصة ...

تركيب

الاتجاهات السابقة تختلف ولاتتناقض، لأن الشروط الاجتماعية لا تتعارض والقول بالشروط الذاتية، لأن الإبداع يتطلب عاملًا ذاتيًا يتمثل في استعدادات المبدع النفسية والعقلية والمناخ الاجتماعي الملائم الذي ينمي هذا الاستعداد ويطوره...

الرأي الشخصي

الرأي الذي يبدو صحيحًا هوالذي يرى أن الإبداع لا يعتمد على الشروط النفسية والعقلية فقط، بل يجب أن تكون الشروط الموضوعية حاضرة أيضًا. فقابلية الفرد للإبداع تبقي قائمة، لأن حركية الإبداع الفردي ترتبط بحركية المجتمع. كما ان المجتمع مهما يوفر من الامكانيات لايستطيع ان يجعل من ضعيف العقل مبدعا.

 لذلك لا يمكن رد الابداع الى العوامل الذاتية وحدها مادام مصيره هذه العوامل متوقف على مختلف الشروط البيئة. ولا يمكن ردها الى المجتمع وما يوفر من امكانيات مادية ومعنوية وحدها. لذللك يقول ريبو :"مهما كان الابداع فرديا فانه يحتوي على نصيب اجتماعي."

الخاتمة

بناءً على ما سبق، يظهر أن الإبداع ماهو إلا ثمرة تكامل العوامل الذاتية والموضوعية. فهو ظاهرة تضرب بجذورها في الحياة الاجتماعية وفق حاجة المجتمع، لذلك يتميز المبدع بخصائص نفسية وعقلية ناجحة كقوة الذاكرة، خصوبة الخيال، الذكاء الخارق، الميول القوية ،الرغبات والاهتمامات، اضافة الى توفر ظروف اجتماعية من الامكانيات المادية والمعنوية، التي تساعد هذا المبدع وتقدر مواهبه الابداعية.

 وفي النهاية، يقول أحد المفكرين:"إن الإبداع هو تلك الوحدة المتكاملة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعية التي تقود إلى إنتاج جديد......"

نقترح عليك ايضا: