كيف نحضر لمباراة الملحقين القضائيين ؟

كيف نحضر لمباراة الملحقين القضائيين ؟

كيف نحضر لمباراة الملحقين القضائيين ؟
تثار مجموعة من الأسئلة للمقبلين لاجتياز مباراة الملحقين القضائيين أو باقي المباريات المهنية حول الطريقة التي يجب أن يتم بها تحضير مواد الاختبارات المرتقبة لمباراة الملحقين. فمن المرشحين من يذهب إلى ضرورة الاعتماد على الكتب" الفقهية " ومنهم ما يذهب إلى ضرورة الاعتماد على كتاب معين باعتبار أن معارفه سبق لهم أن اعتمدوه في التحضير وتوفقوا في اجتياز المباراة ومنهم من يعتمد على محاضراته التي سبق أن تلقاها في الجامعة، والقليل منهم من يعتمد على النص التشريعي . فأي الاتجاهات صحيح ؟
إن المعطى الأولي الذي يجب أن يترسخ في ذهن المقبل على اجتياز مباراة الملحقين القضائيين وسائر المباريات والامتحانات المهنية هو أن ما يهم واضع السؤال هو معرفة ما إذا كان المترشح متمكنا من قواعد التشريع وأحكامه ومتمكنا منها أم أنه فقط يسبح في النظريات التي تكون في الغالب الأعم بعيدة عن التشريع .


ولذلك فإن الاعتماد على الكتب وإهمال التشريع المغربي مثلا بالنسبة لنا في المغرب يقلل من فرص النجاح. ذلك أن الطالب يتلقى معلوماته من الكتب التي تتناول "القانون" بالدراسة والتحليل غالبا ما تبتعد عن التشريع ونصوصه وتحاول النهل من آراء المتحدثين في القانون أينما كانوا سواء في المغرب أو غيره من البلدان، ويتعاملون مع الموضوعات "القانونية" باعتبارها موضوعات ذات مقاربة واحدة مما يجعل فكرة الوقوف على خصوصية المقاربة التشريعية لموضوع ما من المواضيع مسألة صعبة المنال في ورقات تلك الكتب .


إن تعامل الطالب الجامعي المرشح لاجتياز مباراة مهنية مع الكتب على النحو المشار إليه أعلاه من غير قدرته على التمييز بين ما هو تشريعي صرف ومقرر في النصوص وبين ما يعتبر من الآراء "الفقهية" الصرفة يجعله يخاطر بفرصة تفوقه في المباراة. فالسؤال أو النازلة أو ما يكون موضوعا للامتحان يطرح بغرض استكشاف مدى تمكن المتباري أو الممتحن من أحكام القانون والتشريع المغربيين وليس استعراض الأفكار المجردة ووجهات النظر التي يبثها الكتاب في كتبهم أو مقالاتهم. ولذك فإن تقييم المترشح إنما يتركز على مدى ضبطه للتشريع الجاري به العمل و مدى قدرة ذلك المترشح من تفعيل الحلول التي يطرحها ذلك التشريع في فك إشكالات الوضعيات المعروضة عليه أثناء الامتحان.


و كما هو معلوم فإن المواضيع التي تطرح أثناء المباريات و الامتحانات لا يكون الغرض منها إبراز وجهة نظر أو ما شابه ذلك، وإنما يكون الغرض منها هو حل المشكل بكل تجرد وحياد حتى يتمكن المصحح من تقييم جواب المترشح وما إذا كان مصادفا للصواب الذي يتضمنه التشريع الجاري به العمل أم مخالفا له.

و لذلك يجب التمييز عند التحضير لمباراة الملحقين القضائيين مثلا بين مجموعة من مسائل يمكن اجمالها في الآتي :

الفرق بين حكم التشريع و الرأي القانوني. فالأول يعني ما يتضمنه النص التشريعي الذي أقرته الجهة المختصة و هو المعول عليه في الجواب على سؤال الامتحان أما الثاني فهو مجرد وجهة نظر قد يدلي بها شخص من المشتغلين بالقانون و خاصة الأساتذة الجامعيين قد لا ترقى في حالات عديدة إلى رأي فقهي بالمعنى الصحيح للكلمة.


الفرق بين حكم التشريع وحكم القانون، فحكم التشريع يختص به النص التشريعي فقط، أما حكم القانون فيشمل كلا من حكم التشريع وما تواتر عليه العمل القضائي بمناسبة الفصل في النزاعات المعروضة عليه. فالقانون ليس هو التشريع فقط وإنما يعني التشريع وأصوله الاجتماعية وتطبيقاته القضائية.


التمييز بين القانون و"الفقه" ، فالقانون يشمل التشريع وأصوله وتطبيقاته التي تتيح الفرصة لملائمة مدى موافقة المقاربة التشريعية لواقع الناس و احتياجاتهم، بينما "الفقه" هو مجرد آراء قد لا تأخذ بعين الاعتبار واقع الظاهرة المدروسة وتكتفي فقط بالتشابه الصوري بين تلك الظاهرة في وسط معين و وسط آخر، كما لو درست مثلا مسألة النسب في التشريع المغربي والتشريع الفرنسي. فالظاهرة من حيث كونها علاقة بين أصل و فرع واحدة في المجتمعين ووحدتها مستمدة من طبيعتها البشرية، لكن المقاربة التشريعية لنفس الظاهرة تختلف متأثرة في ذلك بثقافة كل مجتمع. و إذا لم تأخذ المقاربات "الفقهية" هذا المعطى القائم على الاختلاف فإن نتائجها تكون كارثية ليس فقط على حظوظ المترشح وإنما على مسار البحث العلمي عموما.


التمييز بين ما هو كائن وما يجب أن يكون؛ فالتشريع الذي يجب التركيز عليه للتحضير للمباراة هو التشريع الجاري به العمل وليس التشريع الذي يجب أن يكون. والتشريع الجاري به العمل هو الوارد في النصوص أما الذي يجب أن يكون فهو ما يُطرح من أفكار مستمدة من اكتشاف نقص في التشريع. و هنا يكون من الضروري الانتباه إلى أن حل المسألة المعروضة على المتباري سواء أكانت سؤالا أو نازلة أو استشارة أو غيرها يجب أن يتم وفق التشريع الجاري به العمل، أما الرأي الخاص بالمترشح فيمكن أن يتأسس على التشريع الجاري به العمل أو حتى ما يجب أن يكون وقد يمتد إلى ما كان من قبل.


التمييز بين التشريع الوطني والتشريع الأجنبي من حيث الأحكام؛ فحل الوضعية موضوع المباراة أو الامتحان يجب أن يتم وفق المقاربة التشريعية الوطنية وليس الأجنبية. وهنا لابد من الحذر عند المطالعة من الالتباس الذي قد يتركز في ذهن المتباري بين التشريعين.
و زيادة على ذلك كله؛ فإن المرشح لمباراة الملحقين القضائيين يجب عليه حسن التعامل مع العمل القضائي.
فلا يجب عليه اعتبار ما ليس من العمل القضائي عملا قضائيا لمجرد أنه قرأه في كتاب أو مقال، فليعلم أنه يتعامل مع قضاة ذووا خبرة و ليسوا مجرد مطلعين على عمل القضاة وشتان بين من يصنع الموضوع ومن يدرسه.
كما يجب التمييز بين عمل محكمة النقض وما استقر عليه و باقي القرارات التي لا تعتبر من قبيل ذلك، كتلك التي تنشر في المجلات أو ما يحصل عليه الأفراد بمبادراتهم الخاصة. فالقرارات المعتمدة هي التي تصدرها محكمة النقض في منشوراتها وتقاريرها ونشراتها أو في المجلات الرسمية، أما غير ذلك فلا يعتبر معبرا عن موقف محكمة النقض بالقدر الذي يشكل عملا خاصا بواقعة أو واقعتين أو وقائع منعزلة وخاصة.


و في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى ضرورة تعلم المتباري كيفية التعامل مع النص التشريعي مباشرة أثناء تحضيره للمباراة، فوقوفه على الحكم التشريعي الصحيح لا يتم إلا بتمكنه من قواعد اللغة وآليات استنباط الحكم وهي أدوات ضرورية وملحة لأنها سبيله للتمكن من حكم التشريع. و قد يجد المترشح صعوبة في ذلك غير أنه لا يجب أن يستسلم و يرتكن لأساليب التحضير التقليدية؛ خاصة وأن فرصته للتعلم لاتزال قائمة.


قد يتساءل متساءل وما فائدة الكتب التي نمتلكها؟
إن الكتب التي تتطرق لدراسة التشريع والقانون لها فائدة مهمة في التحضير للمباريات وهي أنها مصدر لمعرفة الأحكام العامة لكل موضوع على حدة، بينما الحكم الخاص يتضمنه التشريع. و لتتضح الصورة نضرب مثلا عقد من عقود التبرع مثلا كالهبة، فأحكامها العامة تتركز في أركانها و شروطها و كيفية قيامها وهي أمور نجدها في كتب الفقه الإسلامي مختلف مدارسه وكذا في التشريعات الأجنبية، بينما أحكامها الخاصة فنجدها في مدونة الحقوق العينية. ومن أحكامها أن ما ورد بالمدونة هو المعتمد وإن ظهر بها نقص فيجب النظر في قانون الالتزامات والعقود وإن استمر النقص ففي الفقه المالكي كما تنص على ذلك مدونة الحقوق العينية. و هنا نرى كيف أن المقاربة التشريعية المغربية للهبة جاءت واضحة ومحصورة، فلا يمكن الحديث عن حكم وارد في التشريع الفرنسي مثلا أو الفقه الحنفي أو غيرهما لأن المشرع حدد مصادر أحكام الهبة. من هنا يتضح لنا كيف يمكننا أن نستفيد من الكتب التي بين أيدينا ونأخذ منها الإطار العام بينما الحكم التشريعي نأخذه مباشرة من مظانه في نصوص التشريع.


تلك كانت مساهمة لتنوير الطريق لكل من سيحضر لمباراة الملحقين القضائيين مساعدة لهم على تجاوز السلبيات التي رافقتهم في المرات السابقة أو تنبيها للجدد من إمكانية الوقوع في تلك الأخطاء. مع متمنياتنا بالتوفيق للجميع.
تعليقات